📁 آخر المقالات

ضعف توكيد الذات وتأثيره على العلاقات الزوجية

 ضعف توكيد الذات وتأثيره على العلاقات الزوجية

ضعف توكيد الذات

يُعد توكيد الذات أحد المهارات الاجتماعية الأساسية التي تُمكّن الأفراد من التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بوضوح وصراحة، دون خوف من الرفض أو الإحراج. عندما يكون هناك ضعف في توكيد الذات، يؤدي ذلك إلى كبت المشاعر، مما يؤثر بشكل كبير على العلاقات الأسرية بشكل عام والعلاقات الزوجية بشكل خاص. في هذا المقال، سنتناول بالتفصيل تأثير ضعف توكيد الذات على الحياة الزوجية، كما سنستعرض المراحل الأربع التي يمر بها الأفراد عند كبت مشاعرهم، والتي أشار إليها جون جراي في كتابه الشهير "ما تشعر به يمكن علاجه".

أهمية التعبير عن المشاعر في العلاقات الزوجية

يؤكد الخبراء أن التعبير عن المشاعر يعد ركيزة أساسية في بناء علاقة زوجية ناجحة ومستقرة. فعدم القدرة على التصريح بالمشاعر أو الاحتياجات يؤدي إلى تراكم الضغوط النفسية، مما قد يؤدي إلى النفور العاطفي بين الزوجين. ومن أبرز المشكلات التي تنتج عن ضعف توكيد الذات:

  1. غياب التواصل العاطفي: حيث يصبح أحد الزوجين غير قادر على مشاركة أفكاره ومشاعره بصراحة.
  2. الإحساس بالملل والروتين: يؤدي كبت المشاعر إلى الشعور بالرتابة والملل في العلاقة الزوجية.
  3. تراكم المشكلات بدون حلول: فعدم الحديث عن المشكلات في وقتها يؤدي إلى تفاقمها بمرور الوقت.
  4. الشعور بعدم التقدير: عندما لا يعبر أحد الزوجين عن احتياجاته، فقد يشعر بعدم التقدير أو الإهمال من الطرف الآخر.
  5. زيادة فرص الخيانة العاطفية: قد يبحث أحد الطرفين عن شخص آخر يستمع إليه ويفهم مشاعره، مما قد يعرض العلاقة الزوجية للخطر.

المراحل الأربع لتطور المشكلات الناتجة عن ضعف توكيد الذات

وفقًا لما ذكره جون جراي في كتابه "ما تشعر به يمكن علاجه"، هناك أربع مراحل يمر بها الشخص الذي يعاني من كبت مشاعره وعدم القدرة على توكيد ذاته في العلاقة الزوجية:

1- مرحلة المقاومة الداخلية

في هذه المرحلة، يشعر الشخص بمشاعر غير مريحة تجاه شريكه دون أن يعبر عنها بشكل واضح. قد يبدأ بالانزعاج الداخلي ولكن دون إظهار ذلك علنًا. على سبيل المثال، قد تجد الزوجة نفسها مستاءة من تصرفات زوجها ولكنها تفضل الصمت خوفًا من إزعاجه أو تجنبًا للمواجهة.

  • المشاعر المكبوتة: يشعر الشخص بالغضب أو الاستياء لكن يفضل الاحتفاظ بهذه المشاعر داخليًا.
  • التصرفات: قد يبدأ الشخص بالانزعاج الداخلي، ولكن لا يظهر ذلك في تصرفاته.
 الزوجة قد تشعر بالاستياء من تصرفات زوجها ولكن تفضل الصمت خشية الإضرار بالعلاقة أو تجنبًا للمواجهة.

2- مرحلة الاستياء

عندما تستمر المشاعر المكبوتة لفترة طويلة دون التعبير عنها، يدخل الشخص في مرحلة الاستياء، حيث يصبح أكثر عصبية وتوترًا دون سبب واضح. في هذه المرحلة، يبدأ الشخص بالردود الحادة والانفعالية، وقد تزداد حدة الخلافات البسيطة لتتحول إلى مشاحنات مستمرة. يصبح الزوجان أكثر حساسية تجاه بعضهما البعض، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلات. مع مرور الوقت، تستمر المشاعر المكبوتة في التراكم، مما يؤدي إلى زيادة مشاعر الاستياء.

  • زيادة العصبية والتوتر: يصبح الشخص أكثر عصبية وتوترًا بشكل غير مبرر.
  • الردود الانفعالية: يبدأ الشخص بالرد بشكل حاد وغير مبرر، مما يزيد من حدة الخلافات.
المثال: قد يتحول نقاش بسيط إلى شجار طويل، مع تزايد التوتر بين الزوجين.
النتيجة: تصبح العلاقة أكثر توترًا، ويزداد عدم الاحترام بين الطرفين.

3- مرحلة الرفض

في هذه المرحلة، يصبح الشخص غير قادر على تحمل شريكه، ويبدأ في البحث عن أي مبرر للابتعاد عنه. قد تلاحظ الزوجة أنها لم تعد ترغب في قضاء الوقت مع زوجها، أو أن الزوج أصبح يفضل العزلة بدلاً من الحديث مع زوجته. هذه المرحلة تعتبر منعطفًا خطيرًا في العلاقة، لأنها تمهد للانتقال إلى المرحلة الأخيرة.

  • البحث عن المبررات: يبحث الشخص عن أي مبرر لابتعاد عن شريكه أو لتقليل التواصل معه.
  • العزلة: قد يبدأ الزوج أو الزوجة في الابتعاد عن الآخر، سواء كان ذلك بالانعزال أو عدم الرغبة في قضاء وقت معًا.
الزوجة قد تجد نفسها لا ترغب في قضاء وقت مع زوجها، أو قد يبدأ الزوج في تجنب الحديث معها.
التأثير على العلاقة: هذه المرحلة تعتبر نقطة تحول قد تؤدي إلى انفصال عاطفي أو انهيار العلاقة.

4- مرحلة الكبت الكامل

عندما يصل الشخص إلى هذه المرحلة، يكون قد فقد الرغبة في التواصل تمامًا، ويتحول الأمر إلى سلام سلبي بدلًا من حل المشكلات. هنا، يفضل الزوج أو الزوجة الصمت وعدم الدخول في أي مناقشات تجنبًا للخلافات. هذه الحالة قد تؤدي إلى الانفصال العاطفي بين الزوجين حتى وإن استمرت العلاقة ظاهريًا.

  • غياب التواصل: الشخص يفقد الرغبة في التواصل مع شريكه، وأصبح التواصل غير ذي جدوى.
  • السلام السلبي: يفضل الشخص الصمت والابتعاد عن أي نقاشات، مما يؤدي إلى نوع من السلام الظاهري ولكنه ليس حلًا للمشكلات.
 يحدث انفصال عاطفي بين الزوجين حتى وإن كانت العلاقة مستمرة ظاهريًا.
المثال: قد يستمر الزوجان في العيش معًا لكن كل منهما يشعر بأنه بعيد عن الآخر.

كيف يمكن التغلب على ضعف توكيد الذات في العلاقة الزوجية؟

لحماية العلاقة الزوجية من التأثير السلبي لضعف توكيد الذات، يجب اتخاذ بعض الخطوات المهمة:

ضعف توكيد الذات

1- التعبير الصريح عن المشاعر

لا بد أن يعتاد كل من الزوج والزوجة على التواصل بوضوح حول مشاعرهما، سواء كانت إيجابية أو سلبية. يجب أن يكون هناك حوار مفتوح لمناقشة الأمور التي تزعج الطرف الآخر دون خوف من الحكم أو الانتقاد.

من الضروري أن يسعى كل من الزوج والزوجة إلى بناء جسر قوي من التواصل بينهما، فالحديث بصراحة عن المشاعر يمكن أن يكون له أثر كبير في تعزيز العلاقة. عندما يشعر كل منهم بالراحة في التعبير عن أفكاره ومشاعره، سواء كانت هذه المشاعر إيجابية تعبر عن الفرح والتقدير أو سلبية تدل على القلق والانزعاج، يمكنهما التقدم سوياً نحو فهم أعمق لبعضهما البعض.

إن الحوار المفتوح يمثل أداة قوية. يجب أن يكون هناك مجال لمناقشة القضايا التي تزعج أحدهما، بعيدًا عن مخاوف الانتقاد أو الحكم. فكلما زادت الصراحة والشجاعة في الحديث، زادت فرص تعزيز الثقة والارتباط العاطفي بينهما. من المهم أن يتذكر كل طرف أن هدفهما هو بناء بيئة من الدعم والاحترام، حيث يُنظر إلى المشاعر كلها كمكون أساسي في النمو المتبادل.

عندما يتمكن الزوجان من التحدث بصراحة، يمكن أن تتبدد العديد من المشكلات الصغيرة قبل أن تتحول إلى أزمات كبيرة. التواصل ضمن جو من الأمان والاحترام يمكن أن يكون بمثابة منارة ترشدهم خلال العواصف، مما يساعد على تجديد الحب وخلق ذكريات جميلة تضاف إلى تاريخ حياتهم المشتركة.

2- تحديد التوقعات بوضوح

يجب أن يكون هناك وضوح في التوقعات من العلاقة الزوجية، حتى لا يشعر أي طرف بالإحباط بسبب اختلاف التوقعات عن الواقع.

3- استخدام أساليب الحوار الفعّالة

بدلًا من الانغماس في اللوم والاتهامات التي قد تؤدي إلى تفاقم المشكلات، من المهم أن نستثمر في أساليب الحوار البنّاءة التي تعزز الفهم المتبادل وتساهم في تقوية العلاقات. على سبيل المثال، يمكننا أن نعبر عن مشاعرنا بوضوح. عندما نقول: "أنا أشعر بعدم الارتياح عندما يحدث كذا، وأفضل لو حدث كذا بدلاً منه"، فإننا نفتح باب التواصل ونعبر عن احتياجاتنا دون مهاجمة الطرف الآخر، مما يساعد في تجنب الصراعات.

كما يمكننا تخصيص أوقات للتحدث عن مشاعرنا بشكل منتظم، كما نقول: "أرغب في أن نخصص وقتًا للحديث عن مشاعرنا بانتظام حتى نحافظ على علاقتنا قوية." هذه الجلسات ليست مجرد فرصة لمشاركة أفكارنا، بل تعزز أيضًا من الروابط الإنسانية، وتمكننا من استكشاف الأعماق العاطفية لبعضنا البعض. حين نتحدث بصراحة، نزيد من فرص فهمنا المتبادل، ونعمل سويًا على بناء علاقة قائمة على الاحترام 

4- تجنب الكبت والانتظار حتى الانفجار

من الأفضل دائمًا التعامل مع المشكلات في الوقت الذي تظهر فيه مباشرة بدلاً من تركها لفترة طويلة حتى تتفاقم وتصبح أصعب في الحل. هذا الأمر ينطبق بشكل خاص على العلاقات الزوجية حيث يعد التواصل المفتوح أمرًا مهمًا للغاية. عندما يشعر أحد الزوجين بالإحباط أو الضيق من موقف معين، ينبغي عليه أن يتحدث عن مشاعره بطريقة هادئة ومنطقية دون الانتظار لفترة طويلة حتى تصل مشاعره إلى مرحلة الانفجار والاحتدام. التحدث عن المشاعر في الوقت المناسب يمكن أن يساعد في تجنب الكثير من التوتر والمشكلات الكبيرة التي قد تنشأ في المستقبل، مما يسهل على الزوجين إيجاد الحلول المناسبة معًا وبشكل بناء.

5- تعزيز العلاقة بالمواقف الإيجابية

يجب على الزوجين أن يحرصا دائمًا على إظهار التقدير والامتنان لبعضهما البعض بانتظام. هذا الأمر ضروري لبناء علاقة قوية وصحية بينهما. يمكن أن يتم ذلك بطرق عديدة، مثل استخدام كلمات لطيفة ومشجعة تعكس شعورهما بالاحترام والمحبة. كما يمكن للزوجين أن يعبروا عن ذلك من خلال تصرفات صغيرة تحمل معاني كبيرة. على سبيل المثال، يمكن أن يفاجئ أحدهما الآخر بهدية بسيطة أو يتحضر لخطط لقضاء وقت ممتع معًا. هذه اللحظات الصغيرة تساهم في تقوية الروابط بين الزوجين وتعزز من السعادة في حياتهما المشتركة.

6- الاستفادة من كتب ومصادر تطوير الذات

قراءة الكتب المتخصصة تعتبر من الوسائل الفعّالة لتعزيز الفهم والتواصل بين الأزواج. على سبيل المثال، كتاب "ما تشعر به يمكن علاجه" لجون جراي يقدم رؤى عميقة حول طبيعة المشاعر الإنسانية وكيفية التعامل معها. يقوم الكاتب بتفسيرات مدروسة حول كيفية إدراك احتياجات الشريك، مما يعزز من القدرة على التواصل العاطفي بطرق صحيحة وفعالة.

علاوة على ذلك، فإن قراءة كتب أخرى متعلقة بالعلاقات الزوجية والتواصل، يمكن أن توفر استراتيجيات وأدوات متنوعة لتعزيز العلاقات. هذه الكتب غالبًا ما تشمل أمثلة حقيقية، تمارين مفيدة، ونصائح عملية تساعد الأزواج على فهم بعضهم البعض بشكل أفضل. من خلال توسيع معرفتهم حول الأساليب الفعالة في التواصل واحتواء المشاعر، يمكن للأزواج تطوير علاقة قائمة على الفهم المتبادل والاحترام، مما يسهم في تعزيز الرابطة العاطفية بينهما.

بالتالي، فإن الاستثمار في القراءة حول هذه المواضيع لا يسهم فقط في تحسين العلاقة، بل يساعد أيضًا في بناء بيئة صحية مليئة بالدعم والحنان، 

7- اللجوء إلى مستشار علاقات زوجية عند الحاجة

إذا وصلت العلاقة إلى مرحلة متقدمة من المشاكل، يمكن اللجوء إلى خبير علاقات زوجية للمساعدة في إعادة بناء العلاقة وتحسين مهارات التواصل بين الزوجين. يعمل الخبير على تحليل جذور المشاكل، مما يساعد على فهم الأسباب الأساسية التي أدت إلى تصاعد التوترات. كما يقدم أدوات وتقنيات تساعد الزوجين على التعبير عن مشاعرهم بشكل أكثر فعالية.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للخبير تعزيز التعاطف والتفاهم بين الزوجين، مما يساهم في خلق بيئة آمنة للتواصل. يقدم الخبير أيضًا استراتيجيات لحل النزاعات بطريقة بناءة، مما يساعد على تجنب التصعيد والمزيد من الفجوات.

ويمكن أن تشمل الجلسات تحديد الأهداف المشتركة وتعزيز الروابط العاطفية من خلال تمارين تفاعلية. في النهاية، يسعى الخبير إلى تمكين الأزواج من تطوير مهاراتهم بشكل مستقل، بحيث يستطيعوا التعامل مع التحديات المستقبلية بشكل أكثر فعالية وثقة.


ضعف توكيد الذات هو أحد الأسباب الرئيسية لتدهور العلاقات الزوجية، حيث يؤدي إلى تراكم المشكلات وانعدام التواصل الفعّال. ولتجنب هذا التأثير السلبي، يجب على الزوجين تبني أسلوب حياة قائم على الحوار الصريح والتفاهم المتبادل. فالتواصل الجيد، والتعبير عن المشاعر، واحترام احتياجات الشريك، كلها عوامل رئيسية في بناء علاقة زوجية صحية ومستقرة. إذا كنت تعاني من هذه المشكلة، فابدأ اليوم بالتعبير عن مشاعرك بوضوح، واجعل التواصل العاطفي جزءًا من حياتك اليومية لضمان علاقة زوجية سعيدة ومستدامة.